البريد الالكترونى

Delivered by FeedBurner

الصحة النفسية للمصريين

المحتوي الرئيسي


الصحة النفسية للمصريين
  • د. محمد المهدي
    28/02/2023 06:38

ماهي الحالة النفسية للمصريين ؟ :

يشيع على ألسنة الناس أن غالبيتهم مرضى نفسيين , وأنهم يحتاجون لعلاج , بسبب الظروف المحلية والعالمية  من كورونا وحرب روسيا وأوكرانيا وغلاء المعيشة والزلازل , والتقلبات السياسية والإجتماعية , والإعلام التقليدي والإلكتروني سواء الموالي أو المعارض أو المعاند وما يبثه من رسائل في غالبيتها تصيب بالقلق والخوف من المستقبل , والإشاعات التي تتطاير على صفحات السوشيال ميديا فتصيب الناس بالإحباط . ومن الملاحظ بشكل عام حالة العبوس على وجوه الناس , وحالة الشكوى الدائمة في كل الطبقات , وتراجع الطبيعة المرحة والساخرة للشعب المصري , وسرعة الإستثارة , وازدياد نزعات الخشونة والعنف في التعامل , وزيادة النزاعات والمشكلات بين الأفراد , ووجود حالات استقطاب مجتمعي بدرجات متفاوتة ولكنها مقلقة . ومن هنا وجب على المتخصصين في العلوم النفسية متابعة الحالة النفسية للمصريين بهدف رصد المشكلات واقتراح الحلول والمعالجات بشكل علمي .

هناك ثلاث مستويات للحالة النفسية , أولها هي حالة السواء النفسي , وثانيها حالة التأزم , وثالثها حالة الإضطراب النفسي . ففي حالة السواء نجد أن الشخص يتمتع بالرضا النفسي , ويمارس عمله بجديه , وله علاقات أسرية واجتماعية مشبعة ومستقرة , وله نشاطات ترفيهية وروحية , ويتمتع بجودة معقولة لحياته . وفي حالة التأزم لا يكون الشخص مريضا , ولكنه يكون في حالة من الضيق والضجر وعدم الرضا والخوف من المستقبل والإحباط والغضب , أي أن الشخص في مرحلة التأزم يكون لديه أعراض نفسية , ولكنها لم تصل في مجملها لاضطراب نفسي محدد حسب معايير الإضطرابات النفسية  , وهذه الحالة من التأزم تكون مرتبطة بظروف حياتية صعبة , أو أحوال سياسية أو اقتصادية , أو عائلية , ولذا تحتاج حالة التأزم هذه إلى إصلاح ظروف الشخص والمجتمع بهدف تحسين البيئة الحياتية . أما في حالة الإضطراب النفسي فإن الشخص يكون قد استوفى معايير التشخيص من الناحية الطبية لأي اضطراب من الإضطرابات النفسية كالقلق أو الإكتئاب أو الوسواس أو الرهاب أو الهلع أو الفصام أو الإضطراب الوجداني ثنائي القطب أو غيرها , وفي هذه الحالة يحتاج الشخص المضطرب إلى تدخلات علاجية متخصصة كالعلاج الدوائي والعلاج النفسي وغيرها .

ولمعرفة خريطة الإضطرابات النفسية لدى المصريين قامت الأمانة العامة للصحة النفسية بإجراء مسح قومي للإضطرابات النفسية في المجتمع المصري , وتم نشر نتائج البحث عام 2018 , وبلغ حجم العينة 22 ألف أسرة اختيرت عشوائيا موزعة على مختلف محافظات الجمهورية . وأوضحت النتائج أن نسبة انتشار الإضطرابات النفسية على مدار 12 شهرا في العينة 24.7 %  , وكانت  الاضطرابات الأكثر انتشارا هى اضطرابات المزاج (اضطرابات الاكتئاب على وجة التحديد) والتى بلغت 43.7% وبلغت اضطرابات تعاطى المخدرات 30.1.

وكانت نتائج المسح أقل من النتائج حول تواتر الاضطرابات النفسية فى المجتمع التى تم الكشف عنها فى معظم الدراسات فى جميع أنحاء العالم والتي تبلغ 25% ، كما أنها تختلف عن الدراسات  الأخرى وخاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث اضطرابات القلق هى الأكثر انتشارا, وقد يرجع هذا لأدوات البحث المستخدمة في المسح مثل مقياس الصحة العامة والذي لا يعكس بدقة شديدة سائر الإضطرابات النفسية وشدتها .

والإكتئاب هنا (كأعلى اضطراب ظهر في المسح القومي) يشكل خطورة على المصريين لأنه يؤدي إلى حالة من العزلة والعزوف عن الحياة والسلبية واللامبالاة , وضعف القدرة على الإنتاج , وتراجع القدرة على حل المشكلات أو الإبداع , والتفكير العدمي , والتوجهات التدميرية للذات . 

كما أوضح المسح القومي أن الإضطرابات النفسية أكثر في المناطق الريفية منها في المناطق الحضرية , وأن نسبة من يتلقون العلاج لاضطراباتهم النفسية حوالي 0.4%  . وهذا يؤكد على ضرورة الإهتمام بالمجتمعات الريفية من ناحية ظروف الحياة والصحة النفسية .

وقد ذكرت بعض الدراسات التي أجريت على عينة من المجتمع المصري أن 70-80% من المصريين المصابين باضطرابات نفسية يذهبون للعلاج لدى المعالجين الشعبيين أو المشايخ أو من يدّعون إخراج الجن أو فك السحر , فما زال المصريون أقرب للمفاهيم الدينية أو السحرية للمرض النفسي , وأنهم يحتاجون لجهود توعوية كثيرة لتقبل المفهوم الطبي للمرض النفسي , وأن وصمة المرض النفسي تحول دون توجههم للطبيب النفسي , وتؤخر العلاج كثيرا مما يتسبب في مضاعفات خطيرة للمرض خاصة إذا كانت المريضة فتاة أو امرأة . وتشيع المفاهيم السحرية في المجتمعات الريفية والمناطق العشوائية في المدن .

وبالطبع فإن المسح القومي لا يشمل فئة المأزومين , تلك الفئة التي ذكرناها آنفا , والتي تعاني من أعراض نفسية , ومن انخفاض الرضى وتدني جودة الحياة (بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ) ولكنها لا تصنف كاضطرابات نفسية بالمفهوم الطبنفسي .

وتبين من بعض الدراسات أن حوالي  0.5% فقط من المرضى النفسيين هم من يحتاجون الدخول الى المستشفيات لتلقى العلاج، أي  أن ٩٩.٥٪ الآخرين يمكن علاجهم من خلال العيادات الخارجية، فيما لا يذهب من المرضى النفسيين إلى الطبيب  سوى ٣٪ فقط، حيث يتجه الباقون الى الممارس العام نظرا لأن من 60% - 70% من الأمراض النفسية تبدأ بآلام وأعراض عضوية، كما يتجهون في البلاد العربية إلى العلاج التقليدي، أو الشعبي، أو الديني .

كورونا والصحة النفسية :

وقد تم المسح في المجتمع المصري قبل جائحة كورونا , وطبقا لدراسات عالمية فقد تسببت جائحة كورونا في زيادة نسبتها 25٪ في معدلات الشعور بالقلق والاكتئاب عمومًا بجميع أرجاء العالم، ممّا كشف النقاب عن مدى قصور استعداد الحكومات لمواجهة تأثير الجائحة على الصحة النفسية وعن نقص عالمي مزمن في موارد الصحة النفسية.  ففي عام 2020، أنفقت الحكومات في أنحاء العالم بأسره نسبة 2٪ فقط في المتوسط من ميزانيات الصحة على الصحة النفسية، بينما استثمرت البلدان المنتمية إلى الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط نسبة أقل من 1٪ في هذا المجال (عكاشه , البوابه 10 أكتوبر 2022) .

وإذا وضعنا زيادة الإضطرابات النفسية الناتجة عن جائحة كورونا للأرقام الواردة في المسح القومي فإننا نكون أمام أرقام أعلى من الإضطرابات والأعراض النفسية , ولهذا نحتاج لإجراء مسح قومي جديد يعكس التغيرات التي تسببت فيها جائحة كورونا وتسببت فيها الظروف الإقتصادية الحالية وتداعيات حرب روسيا وأوكرانيا وغيرها من العوامل السياسية والإقتصادية.

 وما زالت الصحة النفسية على مستوى العالم (مع اختلافات بين الدول) من أبرز مجالات الصحة العامة المهملة منذ عقود من الزمن، إذ لا تحظى سوى بقدر ضئيل من الاهتمام والموارد التي تحتاجها وتستحقها لذا صدرت توصيات من منظمة الصحة العالمية خاصة بعد جائحة كورونا لكي تسد العجز في الصحة النفسية في كل دول العالم .

منصة للإرشاد النفسي :

شملت تقارير لجنة التعليم والبحث العلمي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس الشيوخ ، المحالة للحكومة، توصياتها عن اقتراح  مقدم من النائبة دينا الهلالي بشأن إنشاء منصة ذكية تهدف إلى رفع الوعى من خلال تقديم الارشاد النفسي والتربوي والاجتماعي للطلاب، ودعم أولياء الأمور بأساليب التربية الحديثة مع تفعيل دور الإخصائي النفسي في المدارس لمراحل التعليم ما قبل الجامعي، والذى أكد على ضرورة إنشائها كمنصة متكاملة تابعة للوزارة لتقديم الدعم النفسي للطلاب.

وتضمنت التوصيات:

-تخصيص  أطباء صحة نفسية لتقويم سلوك الطلبة والطالبات بالمدارس.

-عقد اختبارات نفسية للمعلمين قبل التعيين للتأكد من قدرتهم على التعامل مع الطلاب في جميع المراحل التعليمية.

-إنشاء وحدة للصحة النفسية بالإدارات التعليمية المختلفة.

-توفير ميزانية للتربية والصحة النفسية حتى تتوفر السلامة النفسية للطلاب وأولياء الأمور والمعلمين.

-إعداد الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين بالمدارس والاستفادة من خريجي أقسام علم النفس بالجامعات.

-احتواء المنصة على أطباء نفسيين لتشخيص الحالات والتوجيه للعلاج المناسب لكل حالة.

المنصة الوطنية الإلكترونية الأولى للصحة النفسية :

وفي مارس 2022 أعلن إطلاق المنصة الوطنية الإلكترونية الأولى بمصر لخدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان بالمجان وذلك بالتعاون بين الأمانة العامة للصحة النفسية ومنظمة الصحة العالمية، في إطار التوسع في تقديم خدمات الصحة النفسية وإتاحتها للجميع.

وتهدف المنصة إلى توفير خدمات حكومية مجانية للصحة النفسية وعلاج الإدمان، لجميع الفئات العمرية من المصريين وغير المصريين المقيمين على أرض مصر، وتُعد الأولى من نوعها في إقليم شرق المتوسط، وإحدى ثمار التعاون بين كلٍ من الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان والمركز القومي للمعلومات بوزارة الصحة والسكان، ومنظمة الصحة العالمية، وجامعة بريتش كولومبيا بكندا، ويقوم عليها نخبة من الكوادر الفنية والتقنية بوزارة الصحة والسكان، والمعالجين النفسيين والخبراء الدوليين في مجال الطب النفسي وعلاج الإدمان.

مقترح الحملة القومية لعلاج الإدمان والوقاية منه (المهدي 2023) :

وهو يقضي بتبني الحكومة والجمعيات الأهلية لحملة موسعة (على غرار حملة مواجهة فيروس سي ) , وذلك للتوعية بمخاطر الإدمان , وطرق الوقاية , ووسائل وأماكن ومراحل العلاج , ونشر ثقافة التعافي من الإدمان , وإجراء تحاليل للسائقين على الطرق , وتحاليل للعاملين في القطاع العام والخاص , وعلاج الحالات التي يثبت تعاطيها للمخدرات , وفي حالة المعاودة أو الإنتكاس تتخذ الإجراءات الإدارية اللازمة للحد من مخاطر الإدمان على الشخص وعلى المحيطين به .

بروتوكول حملة تحسين الصحة النفسية للمجتمع المصري (مقدم للمجلس القومي للصحة النفسية  (المهدي 2023):

 

مقدمة :

نظرا للظروف السياسية والإقتصادية المحلية والدولية , ونظرا لبعض التغيرات الإجتماعية , قد تتأثر الحالة النفسية للشعوب , وهذا يؤثر بالضرورة على جودة حياة الناس وشعورهم بالرضا , ويؤثر أيضا على قدرتهم على العمل وحل المشكلات والإبداع في مجالات الحياة المختلفة . ولهذا يستلزم الأمر استقصاء عن مستوى الصحة النفسية في المجتمع واحتياجات الناس سواء على مستوى الوعي أو مستوى العلاج أو مستوى الوقاية للوصول إلى صحة نفسية أفضل .

الهدف العام :

رفع مستوى الصحة النفسية للمصريين

الأهداف الإجرائية :

1 – زيادة الوعي بالإضطرابات النفسية والمبادرة بالعلاج الطبي المتخصص .

2 – الوقاية من الإضطرابات النفسية .

3 – تنمية المهارات الحياتية لجيل الأطفال والشباب : مثل مهارات حل المشكلات , مهارات العصف الذهني , مهارات التعامل مع الضغوط والمشكلات , مهارات التنفيس , مهارات حل الصراعات , مهارات العمل الجماعي , مهارات التواصل الفعّال , ..... الخ .

4 – كشف ومواجهة الأفكار الخرافية وممارسات الدجل والشعوذة المتصلة بالإضطرابات النفسية .

5 – التركيز بوجه خاص على تعاطي المخدرات كخطر يؤثر على قدرات وسلامة المجتمع خاصة في شبابه .

الخطوات :

1 – التعرف على احتياجات الصحة النفسية في المجتمع المصري من خلال استبيان يتم تطبيقة على عينات من المجتمع المصري , ويتم تصميم الإستبيان بواسطة خبراء في الطب النفسي وعلم النفس . ويتم الإستعانة أيضا في قراءة خريطة الإضطرابات النفسية بالمسح القومي للإضطرابات النفسية الذي تم تحت إشراف الأمانة العامة للصحة النفسية 2017 .

2 – القيام بحملة على مستوى الإعلام التقليدي والإعلام الإلكتروني لتغطية الإضطرابات النفسية المختلفة من حيث شكل الإضطراب وطبيعته وانتشاريته وأسبابه ومضاعفاته وطرق علاجه , وذلك من خلال مقالات وفيديوهات , واسكتشات درامية ورسائل قصيرة .

3 – رسائل ونشرات وفيديوهات تركز على طرق الوقاية من الإضطرابات النفسية .

4  – تنظيم محاضرات ودورات وورش عمل حية وأخرى على مواقع التواصل الإجتماعي , وثالثة على شاشات التليفزيون , وكلها موجهة نحو إكساب الأطفال والمراهقين والشباب مهارات الحياة الإيجابية والفعالة .

الأدوات :

1 – المقالات والرسائل القصيرة في الصحف ووسائل التواصل الإجتماعي .

2 – الفيديوهات على صفحات الفيس بوك , واليوتيوب , وعلى وسائل الإعلام التقليدية .

3 – اسكتشات درامية تظهر على شاشات التليفزيون وعلى مواقع التواصل الإجتماعي .

4 – محاضرات ودورات وحلقات نقاش , وورش عمل يتم تنفيذها في النوادي الإجتماعية , والمدارس والجامعات والنقابات والمصانع والشركات , وغيرها .

5 – نشرات وكتيبات صغيرة .

6 – قوافل طبية تجوب محافظات مصر وخاصة المحافظات النائية والصعيد .

خطوات وطرق التنفيذ :

1 – تكوين لجنة عليا من الأطباء النفسيين وعلماء النفس وعلماء الإجتماع والإداريين تكون مهمتها التخطيط للحملة والبدء في خطوات تنفيذها  , والتواصل مع الجهات المعنية لتسهيل سريان العمل .

2 – تقسم مستهدفات الحملة من الناحية الزمنية على مراحل , كل مرحلة عبارة عن ستة شهور , بحيث تغطي أربعة مراحل على مدى عامين .

3 – التواصل مع الجهات المعنية لتوفير متطلبات الحملة من الأفراد والتسهيلات العلمية واللوجستية مثل الأمانة العامة للصحة النفسية , وأقسام الطب النفسي في الجامعات المصرية , والمؤسسات الإعلامية , والجمعيات الأهلية , والمؤسسات الدينية والشخصيات العامة المؤثرة .

التمويل :

1 – وزارة الصحة

2 – الجمعيات الخيرية

3 – تبرعات من رجال الأعمال

4 – مصادر أخرى

التقييم والمتابعة :

تشكل لجنة مستقلة من أساتذة الطب النفسي وعلم النفس وعلم الإجتماع وعلم الإدارة والقانون لتقييم نتائج الحملة ومتابعة خطوات التنفيذ , ورفع تقاريرها لأصحاب القرار وللجنة التخطيط والتنفيذ .        

 

أخبار ذات صلة

يبدو أن المثل الشائع (عِد غنماتك يا جحا قال واحدة نايمة وواحدة راقدة) صار ينطبق على كثير من الحركات الاسلامية بل حتى كل الحركات السياسية الرسمية والغير ... المزيد

ذكرنا من قبل حقيقة المنهج الذي يتبناه الأزهر، ويجعله أبناؤه معيارًا لوزن العلماء كافة سلفًا وخلفًا، ولا ندري من أين أتوا بكل هذه الثقة، بأن يكونوا حكمً ... المزيد

معبد الضرار والضلال الإماراتي الذي سيفتح أبوابه لأصحاب الجحيم في الأول من شهر مارس القادم؛ هو خطوة على طريق الخطايا الذي فتحه (ولاة الأمر  يكان) لتبد ... المزيد

في سنة ٢٠١٧ م تقدم الباحث محمد يوسف لمناقشة رسالته لنيل درجة الماجستير بعنوان (قضايا العقيدة عند ابن منده عرض ونقد).

وبعد سبع ساعات ... المزيد