الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
من يريد أن يزرع فعليه أن يتخير أرضاً طيبة، فيقلبها ثم يسقيها ويرويها، ... المزيد
القائمة البريدية
كيف لا يذوبُ القلبُ وجَلا، ولا يشتعلُ الرأسُ شيبًا وقد استشرفت عينُ بصيرته غيبَ القابل من رحلته الكونية، ولاحَ له هولُ المَطلع، ووعورةُ ما سيركبه من الطِباق، طبقًا عن طبق؟!
سكراتٌ وكُربات .. وحشةٌ وظلمات.. آهات وحسرات.. بعث من القبور.. حشر ونشور .
تطايرُ صحف الأعمال.. عرضٌ على الملك ذي الجلال.. ميزانٌ لمثاقيل الذرِّ.. مرورٌ على صراطٍ أدقِّ من الشعر..
عندما تطوفُ تلك الحقائقُ بالخاطر تضيق الأرض بما رحُبت، ويتلعثَمُ لسانُ المقال، ويُفصِحُ لسانُ الحال: ليت أمَّكَ لم تلدك يا فلان، ليتك كنت نسيًا منسيـا. وماذا عسى "ليت" أن تفعل؟!
أين المفر؟!
إلى من الملتجأ؟!
من يجيرُك من الله، ومن يعيذُك منه؟!
هنا يأتيك من الهدي النبويِّ الجوابُ الكافي والبلسَمُ الشافي، ليَسكُب في روعِك الأمنَ سكبا.
إنه لا ملجأ لك من الله إلا إليه، فعُذ به منه، وفرَّ منه إليه، فلن تجدَ من دونه مُلتَحَدًا.
وما من شيءٍ تخافه إلا فررتَ منه ما خلا الله فإنك إن خفته فررتَ إليه، (ففرُّوا إلى الله).
هل رأيتَ طفلاً صغيراً تتوعَّدُه أمُّه بالعقوبة فيخشى منها وهو لا يعلم قلبًا في الخلق أرحمَ به منه، ماذا يصنع؟
ألم تر أنَّه سيحتمي منها بها، وسيُلقي بنفسه في حجرها، ويتفيأ ظلَّ رأفتها، فيسكن فؤاده، وتطيب نفسه.
لقد رأى الفضيلَ ولدُه في المنام بعد موته فسأله: ما صنع اللهُ بك؟
فقال: لم أجد للعبد خيراً له من ربِّه!
سبحانك رباه..
ما ألطفك وما أرحمك!!
أيُّها المُحِبُّ الوَجِل، كُن كذلك الطفل، ناجه بتضرُّعٍ وإخباتٍ هامساً: يا مَن أنت أرحمُ بي من أمِّي.. ليس لي ربٌّ سواك.. أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك.
إنَّ في هذا الوِرد سرًّا عظيمًا ينتشلُك من عنُقِ زجاجةِ وحشتك إلى سعةِ فضاءِ تفويضك.
هو أن تعتقدَ وأنت تلهجُ به أنَّ "منك" لا تتحقَّقُ إلا "بك".